الأربعاء، 28 مارس 2012

قصيدة : تعجب الخلق من دمعي ومن ألمي للدكتور ناصر الزهراني

تَعْجَبْ الْخَلْقُ مَنْ دَمْعِيْ وَمِنْ أَلَمِيْ *** وَمَا دَرَوْا أَنَّ حُبِّيْ صُغْتُهُ بِدَمِيِ

أَسْتَغْفِرُ الْلَّهَ مَا لَيْلَىَ بِفَاتِنَتِيْ *** وَلَا سُعَادُ وَلَا الْجِيْرَانَ فِيْ أَضُمُّ

لَكِنِ قَلْبِيْ بِنَارِ الْشَّوْقِ مُضْطَرِمٌ *** أُفٍّ لِقَلْبِ جُمُوْدِ غَيْرَ مُضْطَرِمٌ

مُنِحَتْ حُبّيْ خَيْرٌ الْنَّاسُ قَاطِبَةً *** بِرَغْمِ مَنْ أَنْفِهِ لَا زَالَ فِيْ الْرَّغْمِ

يَكْفِيْكِ عَنْ كُلِّ مَدْحٍ مَدْحُ خَالِقِهِ *** وَأَقْرَأُ بِرَبِّكَ مَبْدَأَ سُوْرَةُ الْقَلَمِ

شَهْمٌ تُشَيَّدُ بِهِ الْدُّنْيَا بِرُمَّتِهَا *** عَلَىَ الْمَنَائِرِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ

أَحْيَا بِكَ الْلَّهُ أَرْوَاحَا قَدْ انْدَثَرَتْ *** فِيْ تُرْبَةٍ الْوَهْمِ بَيْنَ الْكَأْسِ وَالْصَّنَمُ

نَفَضَتْ عَنْهَا غُبَارَ الذُّلِّ فَاتَّقَدْتُ *** وَأَبْدَعَتْ وَرَوَتْ مَا قُلْتُ لِلْأُمَمِ

رُبِّيَتْ جِيْلا أَبِيَّا مُؤْمِنَا يَقِظَا *** حَسْوِ شَرِيْعَتَكَ الْغَرَّاءِ فِيْ نَهَمِ

مَحَابِرْ وَسِجِلاتِ وَأَنْدِيَةٌ *** وَأَحْرُفُ وَقَوَافٍ كُنْ فِيْ صَمَمِ

فَمَنْ أَبُوْ بَكْرٍ قِبَلَ الْوَحْيِ مِنْ عُمَرَ *** وَمَنْ عَلِيٌّ وَمَنْ عُثْمَانَ ذُوْ الْرَّحِمِ ؟

مِنْ خَالِدِ مِنْ صَلَاحِ الْدِّيْنِ قَبْلِكَ *** مِنْ مَالِكَ وَمِنْ الْنُّعْمَانِ فِيْ الْقِمَمِ ؟

مَنْ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ الْصِّحَاحِ *** وَمَنْ سُفْيَانَ وَالْشَّافِعِيِّ الْشَّهْمُ ذُوْ الْحُكْمِ ؟

مِنْ ابْنِ حَنْبَلٍ فِيْنَا وَابْنُ تَيْمِيَّةَ *** بَلْ المَلَايِيْنُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْشَّمَمُ ؟

مِنْ نَهْرَكْ الْعَذْبَ يَا خَيْرَ الْوَرَى اغْتَرِفُوْا*** أَنْتَ الْإِمَامُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ كُلُّهُمْ

يَنَامُ كِسْرَىْ عَلَىَ الْدِّيْبَاجَ مُمْتَلِئَا *** كِبْرَا وَطُوِّقَ بِالْقَيِّنَاتِ وَالْخِدَمِ

لَا هُمْ يَحْمِلُهُ لَا دِيَنَ يَحْكُمَهُ *** عَلَىَ كُؤُوْسِ الْخَنَا فِيْ لَيْلِ مُنْسَجِمٌ

أَمَّا الْعُرُوبَةَ أَشْلَاءِ مُمَزَّقَةٌ *** مِنْ الْتَّسَلُّطِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْغَشَّمِّ

فَجِئْتُ يَا مُنْقِذَ الْإِنْسَانَ مِنْ *** خَطَرَ كَالْبَدْرِ لِمَا يُجَلِّيَ حَالِكَ الْظُّلْمِ

أَقْبَلَتْ بِالْحَقِّ يَجْتَثُّ الْضَّلالُ *** فَلَا يَلْقَىَ عَدُوُّكَ إِلَا عَلْقَمٍ الْنَّدَمِ

أَنْتَ الْشُّجَاعُ إِذَا الْأَبْطَالِ ذَاهِلَةً *** وَالْهُنْدُوَانِيُّ فِيْ الْأَعْنَاقِ وَالَّلِّمَمِ

فَكُنْتُ أَثْبَتُّهُمْ قَلْبِا وَأَوْضَحِهِمْ *** دَرْبَا وَأَبْعِدْهُمْ عَنْ رِيْبَةٍ الْتُّهَمَ

بَيْتِ مَنْ الْطِّيْنِ بِالْقُرْآَنِ تَعْمُرُهُ *** تَبّا لِقِصَرِ مُنِيْفٍ بَاتَ فِيْ نَغَمٍ

طَعَامِكَ الْتَّمْرُ وَالْخُبْزُ الْشَّعِيْرِ *** وَمَا عَيْنَاكَ تَعْدُوَ إِلَىَ الْلَّذَّاتِ وَالنِّعَمِ

تَبِيْتُ وَالْجُوْعِ يُلْقَىَ فِيْكَ بَغَيِتَه *** إِنَّ بَاتَ غَيْرُكَ عَبْدِ الْشَّحْمِ وَالْتُخَمِ

لِمَا أَتَتْكَ { قُمْ الْلَّيْلَ } اسْتَجَبْتَ لَهَا *** الْعَيْنِ تَغْفُوْ وَأَمَّا الْقَلْبُ لَمْ يَنَمْ

تُمْسِىَ تُنَاجِيْ الَّذِيْ أَوْلَاكَ نِعْمَتَهُ *** حَتَّىَ تَغَلْغَلَتْ الْأَوْرَامِ فِيْ الْقِدَمِ

أَزِيْزٌ صَدْرِكَ فِيْ جَوْفِ الْظَّلامْ سَرَىْ *** وَدَمْعُ عَيْنَيْكَ مِثْلُ الْهَاطِلِ الْعَمِمِ

الْلَّيْلِ تُسْهِرُهُ بِالْوَحْيِ تَعْمُرُهُ *** وَشَيَّبَتْكَ بِهُوُدٍ آَيَةً { اسْتَقِمْ }

تَسِيْرُ وِفْقَ مُرَادَ الْلَّهِ فِيْ ثِقَةٍ *** تَرْعَاكِ عَيْنُ إِلَهِ حَافِظٌ حُكْمُ

فَوَّضْتُ أَمْرِكَ لِلِدَيَّانِ مُصْطَبِرَا *** بِصِدْقِ نَفْسٍ وَعَزَمَ غَيْرَ مُنْثَلِمِ

وَلَّىَ أَبُوْكَ عَنْ الْدُّنْيَا وَلَمْ تَرَهُ *** وَأَنْتَ مُرْتَهَنٌ لَا زِلْتُ فِيْ الْرَّحِمِ

وَمَاتَتْ الْأُمُّ لَمَّا أَنْ أَنْسَتْ بِهَا *** وَلَمْ تَكُنْ حِيْنَ وَلّتِ بَالِغُ الْحُلُمَ

وَمَاتَ جَدُّكَ مِنْ بَعْدِ الْوُلُوعِ بِهِ *** فَكُنْتُ مِنْ بَعْدِهِمْ فِيْ ذِرْوَةِ الْيُتْمِ

فَجَاءَ عَمِّكَ حِصْنَا تَسْتَكِنْ بِهِ *** فَاخْتَارَهُ الْمَوْتِ وَالْأَعْدَاءِ فِيْ الْأَجَمِ

تُرْمَى وَتُؤْذَى بِأَصْنَافِ الْعَذَابِ *** فَمَا رُئِيَتُ فِيْ كُوْبِ جَبَّارٍ وَمُنْتَقِمٌ

حَتَّىَ عَلَىَ كَتِفَيْكَ الْطَّاهِرِيْنَ رَمَوْا *** سَلَا الْجَزُورِ بِكَفِّ الْمُشْرِكِ الْقَزَّمَ

أَمَّا خَدِيْجَةُ مَنْ أَعْطَتْكَ بَهْجَتِهَا *** وَأَلْبَسْتُكِ ثِيَابٌ الْعَطْفِ وَالْكَرَمِ

عُدَّتِ إِلَىَ جَنَّةِ الْبَارِيْ وَرَحْمَتُهُ *** فَأَسَلَّمَتكِ لِجُرْحٍ غَيْرِ مُلْتَئَمِ

وَالْقَلْبُ أُفْعِمَ مِنْ حُبّ لِعَائِشَةَ *** مَا أَعْظَمَ الْخَطْبُ فَالْعِرْضُ الْشَّرِيفِ رُمِيَ

وَشُجَّ وَجْهِكَ ثُمَّ الْجَيْشُ فِيْ أَحَدِ *** يَعُوْدُ مَا بَيْنَ مَقْتُوْلٍ وَمُنْهَزِمُ

لِمَا رُزِقْتَ بِّإِبْرَاهِيْمَ وَامْتَلَأَتِ بِهِ *** حَيَاتِكَ بَاتَ الْأَمْرُ كَالْعَدَمِ

وَرَغْمَ تِلْكَ الْرَّزَايَا وَالْخُطُوبُ وَمَا *** رَأَيْتُ مِنْ لَوْعَةِ كُبْرَىْ وَمَنْ أَلَمْ

مَا كُنْتُ تُحَمِّلَ إِلَا قُلِبَ مُحْتَسِبٌ *** فِيْ عَزْمٍ مُتَّقِدٌ فِيْ وَجْهِ مُبْتَسِمُ

بُنِيَتْ بِالْصَّبْرِ مَجْدَا لَا يُمَاثِلُهُ *** مَجْدِ وَغَيْرُكَ عَنْ نَهْجِ الرَّشَادِ عَمَىً

يَا أُمَّةَ غَفِلَتْ عَنْ نَهْجِهِ وَمَضَتْ *** تَهِيْمُ مِنْ غَيْرِ لَا هَدَىَ وَلَا عِلْمَ

تَعِيْشُ فِيْ ظُلُمَاتِ الْتِّيْهِ دَمَّرَهَا *** ضَعُفَ الْأُخُوَّةِ وَالْإِيْمَانَ وَالْهِمَمَ

يَوْمَ مُشْرِقَةً يَوْمَ مُغَرِّبَةِ *** تَسْعَىَ الْنَّيْلِ دَوَاءُ مِنْ ذَوِيْ سَقَمِ

لَنْ تَهْتَدِيَ أُمَّةٌ فِيْ غَيْرِ مَنْهَجَهُ *** مُهِمَّا ارْتَضَتْ مِنْ بَدِيْعِ الْرَّأْيِ وَالْنَّظْمِ

مِلْحٌ أُجَاجٌ سَرَابٌ خَادِعٌ خَوْرَ *** لَيْسَتْ كَمِثْلِ فُرَاتِ سَائِغٌ طَعِمْ

إِنْ أَقْفَرَتْ بَلْدَةً مِنْ نُوُرٍ سُنَّتِهِ *** فَطَائِرُ الْسَّعْدِ لَمْ يَهْوِيِ وَلَمْ يَحُمِ

غِنَىً فُؤَادِيْ وَذَابَتْ أَحْرُفِيْ *** خَجَلا مِمَّنْ تَأَلَّقَ فِيْ تَبْجِيْلِهِ كَلِمِيْ

يَا لَيْتَنِيْ كُنْتُ فَرْدا مِّنَ صَحَابَتِهِ *** أَوْ خَادِما عِنْدَهُ مِنْ أَصْغَرِ الْخَدَّمَ

تَجُوْدُ بِالْدَّمْعِ عَيْنَيِ حِيْنَ أَذْكَرَهُ *** أَمَّا الْفُؤَادُ فَللْحَوّضِ الْعَظِيْمُ ظَمِيَ

أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناشئة

لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثله في تعامله مع الناس عامة ، ومع الشباب خاصة قبل البعثه وبعدها ، مما حبب الناس إليه وألفهم عليه ، فكان يثق في شباب الصحابة ، ويستأمنهم على أمور خاصة ، وقد كانوا رضوان الله عليهم على مستوى المسئولية في ذلك .

الخميس، 11 أغسطس 2011

الرسول يعلمنا الأخلاق

أخلاقه صلى الله عليه وسلم مع النساء


لا شك أن النساء شقائق الرجال، وبين الفريقين روابط تكوينية من أول وجودهما، أشار لذلك القرآن في أوائل السور المسماة باسمهن -سورة النساء- في قوله –تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء: 1.
فهذا أصل علاقة النساء بالرجال، أن الجميع من أصل واحد هو آدم وزوجه التي خلقت منه، وأن المرأة فرع عن الرجال أبتداء، ثم تناسل الأصل وتكاثر الفرع حتى تواجدت الأمم والشعوب، وظلَّت المرأة شقيقة للرجل في حياته على مدى العصور، حتى لعبت بها الأهواء، وتقاذفتها الأغراض، واختلفت وجهات النظر فيها، حتى أصبحت كالسلعة تباع وتوهب، ويكارم بها. حتى جاءت اليهودية فكانت المرأة مهانة على أمر لم يسعها دفعه، فكان اليهود إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها. وجاءت النصرانية فقال النصارى: إن المرأة مخلوق نجس لا يحق لها أن تمس الكتاب المقدس، أما المرأة العربية في الجاهلية فكان أمرها مضطرباً مابين تنصيبها ملكة (كبلقيس) في عهد نبي الله سليمان، وبين وأدها حية، أو ميراثها كرهاً عنها، وحرمانها من ميراث والديها وأولادها، وإكراها على الزواج ممن ترضى ومن لم ترض... ولما جاء الإسلام أمر بتكريم المرأة وجعلها جزء من المجتمع وكان تعامل النبي (صلى الله عليه وسلم) تعامل لين ورحمة ومحبة، وهذا ما سنعرفه ويتبين لنا جميعاً وذلك من خلال متابعتنا لهذه النماذج الحية من حياته (صلى الله عليه وسلم):

1.  حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم- مع النساء:
يقول ابن كثير –رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. النساء: 19
وعاشروهن بالمعروف: أي طيبوا أقوالكم لهنَّ وحسنوا أفعالكم وهيآتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله كما قال –تعالى-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة: 128 وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خيُركم خيُركم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي) رواه ابن حبان –باب  ذكر البيان بأن من خيار الناس من كان خيرا لامرأته (9/484)، وكان من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، يتودد إليها بذلك، قالت سابقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني فقال: (هذه بتلك)، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء، وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام يؤانسهم بذلك -صلى الله عليه وسلم- وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}  الأحزاب: 21 تفسير ابن كثير (1/467).
روى الإمام أحمد وأبو داود عن كلثوم قالت: (كانت زينب تُفلي رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعنده امرأة عثمان بن مظعون ونساء من المهاجرات، يشكون منازلهن أنهن يخرجن منه ويضيق عليهن فيه، فتكلمت زينب وتركت رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إنك لست تكلمين بعينك، تكلمي واعملي عملك). رواه أحمد، المسند (6/363)، وروى أبو داود نحوه دون الجزء الأخير كتاب الخراج والإمارة والفيء باب في إحياء الموات، وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح أبي داود رقم (2644). وروى النسائي وأبو بكر الشافعي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: زارتنا سودة يوماً، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري والأخرى في حجرها، فعملت له حريرة – أو قال خزيرة- فقلت: كلي، فأبت فقلت: لتأكلين أو لألطخنَّ وجهك، فأبت، فأخذتُ من القصعة شيئاً، فلطخت به وجهها، فرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- رجله من حجرها تستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يضحك... الحديث).  سنن النسائي الكبرى كتاب عشرة النساء (5/291)، مجمع الزوائد (4/315) وتحفة الأشراف (12/361).
وفي رواية عنها –رضي الله عنه- قالت: (أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بخزيرة قد طبختها له، فقلت لسودة والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بيني وبينها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك، فأبت. فوضعت يدي في الخزيرة فطليت وجهها، فضحك النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فوضع بيده لها وقال لها: (ألطخي وجهها)، فضحك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم– لها، فمر عمر فقال: يا عبد الله، يا عبد الله، فظن أنه سيدخل فقال: (قوما فاغسلا وجوهكما)، فقالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-  أخرجه أبو يعلى (7/449)، وقال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي-رحمه الله-: هذا حديث حسن، انظر الصحيح المسند رقم (1580). وروى النسائي عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: (استأذن أبو بكر -رصي الله عنه-، على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسمع صوت عائشة -رضي الله عنها- عالياً، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يحجزه، وخرج أبو بكر مغضباً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خرج أبو بكر: (كيف رأيتيني أنقذتك من الرجل!)، قال: فمكث أبو بكر أياماً، ثم استأذن، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: (قد فعلنا، قد فعلنا).  رواه أبو داود كتاب الأدب باب ما جاء في المزاح (4/300) رقم (4999)، والنسائي في السنن الكبرى كتاب عشرة النساء (5/365)، وأحمد نحوه (4/271-272) ومشكاة المصابيح (4817)، والصحيح المسند رقم (1172).

2.    الرفق بالأرامل والإماء:
الأرامل: جمع (أرمل)، (وهو من افتقر وفني زاده) وهو يقع على الرجال والنساء. أساس البلاغة، للزمخشري، ص: (179). يقال رجل أرمل، وامرأة أرملة. ولا يقال ذلك إلا مع الحاجة، والغالب أنه لا يقال ذلك إلا للنساء. امرأة أرملة: محتاجة، أو مسكينه. القاموس المحيط للفيروز آبادي فصل الراء ص: (907) وهي المرأة التي لا زوج لها ينفق عليها.  وأما الإماء: جمع (أمة)، وهي ضدُّ الحُرَّة. مختار الصحاح للرازي، باب الهمزة، ص: (51)، وهي المرأة الحقيرة الشأن، وقليلة القدر، وهي المرأة الضعيفة. كان النبي (صلى الله عليه وسلم) من رعايته ورفقه بهما نجده يوليهما اهتماماً خاصاً، وعناية كسائل الضعَفة من المسلمين، بل أكثر، لما يترتب على ذلك من عظيم الأجر، كم دل على ذلك من أقواله وأفعاله (صلى الله عليه وسلم)، وذلك في أمور كثير من أهمها:

‌أ-عدم التكبر عليهم:
لقد أولاهم -صلى الله عليه وسلم- كامل رحمته ورفقه، والسماع لشكواهم، فكان (صلى الله عليه وسلم) لا يتكبر على الأرملة ولا يأنف منها.  فقد جاء في الحديث: ((... فكان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له جاجته)) النسائي –كتاب الجمعة-باب: ما يستحب من تقصير الخطبة برقم: (1414)، وهو (عليه الصلاة والسلام) يرى أنهم فئة محتاجة ولا عائل لهم بعد الله إلا هو (صلى الله عليه وسلم)، فلذلك أهتمَّ بأمر الأرامل، وأولاهنَّ العناية الخاصة المناسبة لهن، حيث يتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بقضاء حاجة المحتاجين، وهم من رعيته، ويُسأل عنهم يوم القيامة. وهو يضع ويوضح الطريق الصحيح والمبدأ التربوي للأمة بهذا التعامل والأسلوب العملي التطبيقي، لكي يقتدي به من يأتي من بعده، ويلي أمراً من أمور المسلمين.

‌ب-القيام بحاجة الأرامل والإماء:
فقد شاهد ذلك من النبي (صلى الله عليه وسلم) صحابتُه الكرام في مواقف عدة، وتناقلوها بعدة روايات، وتأثروا بها، وطبقوها في حياتهم. فقال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتنطلق به حيث شاءت) البخاري-كتاب الأدب، باب: الكبر، حديث برقم (5724)، وهذا من تواضع النبي (صلى الله عليه وسلم) ولطفه بالأمه المملوكة التي تحتاج المساعدة والرعاية منه، والرفق، حيث لا تجد من يعولها غيره (صلى الله عليه وسلم) فكسرت حاجز الهيبة بينها وبينه والخوف منه، لما تعرف من خلقه الرفيع، والتعامل الحسن.
والمقصود من الأخذ (باليد) لازمه، وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع، لذكره المرأة دون الرجل.
وقال في موضع آخر: والأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف، حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة، والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة، لساعد على ذلك. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني(10/490). وبالإضافة إلى فعله وتطبيقه: الرفق والشفقة بالأرامل، فهو يحث الأمة، ويأمر المسلمين بكفالتهم ويرغب فيه، كما في هذا الموقف.

‌ج-السعي على الأرملة والقيام بمصالحها:
عن أبي هريرة (رضي الله عنها) قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار) البخاري-كتاب النفقات-باب فل النفقة على الأهل برقم: (5308).والساعي هو الذي يذهب ويجيء ويتردد في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين.
إن السعي على الأرامل والمساكين سبب لرحمة الله، ذلك أن الله تعالى جعل ثوابه كثواب المجاهدين في سبيل الله، الذين خرجوا بأموالهم وأنفسهم، وقد لا يرجعون بشيء منها، وأن للمجاهدين أجراً عظيماً، وهو دخول الجنة، فشبه الرسول (صلى الله عليه وسلم) الساعي على مصالح الأرامل والمساكين بثواب المجاهدين كما سبق. إن السعي على مصالحهم فيه أجر كبير، وفيه توطين النفس وتربية للأمة بالتواصي بالحق وعمل الخير، ومساعدة المحتاجين، والرفق بهم، لكي تقوى أواصر المحبة، والأخوة الإيمانية، وصد حاجة المعوزين بامتثال هذا الأمر، وتلمساً للأجر العظيم، وتظهر أواصر التكافل الاجتماعي، مع احتساب الجزاء من الله -سبحانه وتعالى- بأن جعله مساوياً للجهاد، والصيام والقيام في الليل، ومع ذلك فلا جزاء له إلا الجنة. راجع: "مبدأ الرفق في التعامل مع المتعلمين" / صالح بن سليمان المطلق ص: (119-122).

3. ملاطفته - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه:
عن عائشة -رضي الله تعالى- عنها أنها كانت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سفر فقال: (تعالي حتى أسابقك)، فسابقتُه فسبقتُه. فلما حملتُ من اللحم سابقني فسبقني، فقال: (يا عائشة هذه بتلك) المسند (6/264) وأبو داود في الجهاد باب في السبق على الرجل، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2248).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جالساً، فسمعنا لغطاً وصوت صبيان – في رواية ضوضاء النساء والصبيان- فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإذا الحبشة تزفن – تلعب- في لفظ: يلعبون بحرابهم في المسجد والصبيان حولها – فقال: (يا عائشة تعالي فانظري)، فجئت، فوضعت لحيي على منكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه. فقال لي: (أما شبعت! أما شبعت!) قالت فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده. رواه الترمذي كتاب المناقب عن رسول الله باب مناقب عمر بن الخطاب رقم (3691) وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (2914).

4.استشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجته أم سلمة:
روى الإمام أحمد والبخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم -رضي الله عنهما- قالا: (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صالح أهل مكة، وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم، فلما فرغ قال للناس: (قوموا فانحروا، ثم احلقوا). قالا: فوالله ما قام منهم رجل حتى قالها ثلاثاً، فلما لم يقم أحد منهم، ولا تكلم أحد منهم، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟! اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ وتدعوَ حالقك فيحلقك. فخرج ففعل ذلك، فما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى يكاد بعضهم يقتل بعضاً.  المسند (4/323-326)، والبخاري كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد والمصالحة في الحرب رقم (2724).

5.رفقه- صلى الله عليه وسلم- بالنساء:
عن صفية - رضي الله عنه - قالت: حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنسائه فلما كان ببعض الطريق برك جملي وكنت من أحسرهن - أعياهن- ظهراً فبكيت، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم- وجعل يمسح دموعي بردائه وبيده وجعلت لا أزيد إلا بكاءً وهو - صلى الله عليه وسلم- ينهاني فلما أكثرت زبرني). المسند 6/337-338.
ومن روائع مواقف الرسول - صلى الله عليه وسلم- مع ابنته فاطمة أنها كانت تعيش مع زوجها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حياة شاقة، فجرت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وكان زوجها من الفقر بحيث لم يستطع أن يستأجر لها خادماً تعينها في عملها الشاق، ولم يكن يهون عليه أن يراها كادحة مجهدة فكان يساعدها في بعض الأعمال ما أمكن ذلك. وانتهز علي -رضي الله عنه- فرصة مواتية فقال لها ذات يوم، وقد عرف أن أباها النبي - صلى الله عليه وسلم- قد عاد من إحدى غزواته الظافرة بغنائم وسبايا: لقد سنوت يا فاطمة حتى أشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما جاء بك أي بنية؟) قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فأتياه جميعاً فذكر له عليُّ حالها. فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (لا والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوَ بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيع وأنفق عليهم أثمانهم). رواه أحمد ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب رقم (984). وعادت سيدة نساء أهل الجنة وابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولم تظفر بشيء مما عند أبيها، فأتاهما – أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد دخلا في قطيفتهم- إذا غطيا رؤوسهما بدت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رؤوسهما. فثارا للقاء النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: (مكانكما!.. ألا أخبركم بخير ما سألتماني؟) فقالا: بلى، فقال: (كلمات علمنيهن جبريل تسبحان في دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً، وإذ أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثاً وثلاثين وتحمدان ثلاثاً وثلاثين وتكبران أربعاً وثلاثين. فهو خير لكما من خادم)، فقال علي -رضي الله عنه-: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن، فسأله رجل من أصحابه ولا ليلة صفين؟ فقال: ولا ليلة صفين. الإصابة (8/159) وأصل الحديث في صحيح مسلم وبألفاظ متفاوتة في كتاب الذكر والدعاء باب التسبيح أول النهار عند النوم برقم (2727، 2728).

6.رحمته – صلى الله عليه وسلم - بالنساء:
لما مرض الرسول - صلى الله عليه وسلم- جاءت إليه ابنته فاطمة فلما رآها هش للقائها قائلاً: مرحباً يا بنيتي ثم قبلها وأجلسها على يمينه أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاءً شديداً، فلما رأى جزعها سارّها الثانية فضحكت. فقالت لها عائشة: خصك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من بين سائر نسائه بالسِّرار ثم أنت تبكين؟ فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سألتها: ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: ما كنت لأفشى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سره. قالت: فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قلت: عزمتُ عليك بما لي عليك من الحق، لما حدثتني ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قالت: أما الآن فنعم. أما حين سارَّني في المرة الأولى فأخبرني: (أن جبريل كان يعارضه القرآن كل سنة مرة، وأنه عارضه الآن مرتين وإني لا أرى الأجل إلا وقد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لكِ) قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت. فلما رأى جزعي سارَّني الثانية فقال: (يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟) فضحكت لذلك. البخاري كتاب المناقب باب علامات النبوة في الأسلام (6/726) رقم (3624) ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة بنت النبي (4/1904-1906) رقم (2450). وفي رواية لمسلم: (وأنك أول أهلي لحوقاً بي) مسلم كتاب الفضائل باب فضائل فاطمة بنت النبي (4/1905) رقم (2450).

7. سؤال النبيَّ – صلى الله عليه وسلم - عن أمور الدين من قِبَل النساء:
أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء:
كانت -رضي الله عنها- تنوب عن النساء المسلمين في مخاطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بهن، وقد أتته ذات مرة فقالت له: يا سول الله إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهم، يقلن بقولي وهن على مثل رأيي.. إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك، واتبعناك، ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات، قواعد بيوت، ومواضع شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز، والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه فقال: (هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟) فقالوا: بلى يا رسول الله. فقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته، يعدل كل ما ذكرت للرجال) فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشاراً لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. انظر الاستيعاب لابن عبد البر على هامش الإصابة (4/223).

8. مزاحه - صلى الله عليه وسلم - مع النساء:
أم أيمن مولاة النبي -صلى  الله عليه وسلم- وحاضنته:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلاطفها ويمازحها وكأنها أمه، وقد جاءته ذات مرة فقالت له: يا رسول الله: احملني فقال -عليه الصلاة والسلام-: (أحملك على ولد الناقة) فقالت: يا رسول الله، إنه لا يطيقني ولا أريده، فقال: (لا أحملك إلا على ولد الناقة). يعني أنه كان يمازحها - صلى الله عليه وسلم-، وكان رسول الله يمزح ولا يقول إلا حقاً، والإبل كلها، ولد النوق.  طبقات ابن سعد (8/224).

9. استفتاء النساء لنبي الله - صلى الله عليه وسلم-:
خولة بنت ثعلبة: عندما ظاهر منها زوجها جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت من زوجها، وهي بذلك تريد أن تستفتيه، وتجادله في الأمر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-  يقول: (ما أمرنا في أمرك بشيء… ما أعلمك إلا قد حرمت عليه) والمرأة المؤمنة تعيد الكلام عليه، وتبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما قد يُصيبها وأبناءها إذا افترقت عن زوجها، وفي كل مرة يقول لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (ما أعلمك إلا قد حرمت عليه) ودعت ربها وما كادت أن تفرغ من دعائها حتى نزل قوله -تعالى-: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها.. إلى قوله تعالى: وللكافرين عذابٌ أليم}. (المجادلة: 1-4) رواه أحمد في المسند (1/46)، والحاكم وقال الذهبي: صحيح، المستدرك (2/481).

10.وختاماً نقول:
هذا ما يسَّر الله لنا جمعه في هذا المبحث المتواضع  ولا شك أن هناك مواقفٌ كثيرة، غير ما ذكرنا لا يمكن حصرها في مبحث ولا مبحثين ولكن لعلنا نكون قد أشرنا إلى أهم المواقف في حياته -عليه الصلاة والسلام-  وعرفنا كيف كان خلقه -بأبي هو وأمي- مع  نسائه، ونساء المؤمنين، ومع الأرامل، والإماء...،  وعرفنا كيف تعامل معهم وكيف كانت صفاته تجاههنَّ ولا غرابة في تعامل النبي معهن بهذه الصورة لأنه هو القدوة المُثلى والإمامُ الأعظم إنه الذي أرسله الله رحمةً للناس... فنسألُ الله -سبحانه وتعالى- أن يحشرنا معه في الجنة وأن ييسر لنا أمورنا إنه ولي ذلك والقادرُ عليه، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أهم المصادر والمراجع:
1.     تفسير ابن كثير (1/467).
2.     أساس البلاغة، للزمخشري، ص: (179).
3.     القاموس المحيط للفيروز آبادي فصل الراء ص: (907).
4.     مختار الصحاح للرازي، باب الهمزة، ص: (51).
5.    فتح الباري، ابن حجر العسقلاني (10/490).
6.     مبدأ الرفق في التعامل مع المتعلمين / صالح بن سليمان المطلق ص: (119-122).
7.     الإصابة (8/159).
8.      الاستيعاب لابن عبد البر على هامش الإصابة (4/223).
9.     طبقات ابن سعد (8/224).

الرسول يعلمنا الأخلاق

أخلاقه صلى الله عليه وسلم مع الجمادات


إن النبي (صلى الله عليه سلم) له مواقف مع الجمادات وأحداث كثيرة, فالجذع يحن على فراقه, والحصى يُسبِّح في كفه, والشجر تخط الأرض استجابة لطلبه, الماء ينبع من بين أصابعه, والحجر يُسلِّم عليه, والجبل يثبت من الاضطراب به وبصاحبيه, فهي معجزات, لصاحب الرسالة, وأدلة واضحة على صدق نبوته.
إن الرسول (صلى الله عليه سلم) كان له الخلق السامي الرفيع في التعامل مع جميع البشر والحيوانات, ولم يكتفِ بذلك بل أحسن الخُلق مع الجمادات, ونقل لنا السلفُ الصالح هذه الأحداث والروايات للنبي عليه أفضل الصلاة والسلام مع الجمادات, وإننا في هذا المطلب الصغير سنذكر بعض الأحداث التي وقعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع الجمادات, لأننا قد ذكرنا أخلاقه ومعاملاته مع الحيوانات والملائكة والجن وفي هذا المطلب مع الجمادات.
عن جابر -رضي الله عنه-, أَنَّ النبي (صلى الله عليه سلم) كان يخطب إلى جذع نخلة, فاتُخذ له منبر, فلمَّا فارق الجذع, وغدا إلى المنبر الذي صُنع له, جزع الجذعُ فحنَّ له كما تحن الناقة, وفي لفظ فخار كخُوار الثور, وفي لفظ : فصاحت النخلة  صياح الصبي حتى تصدع وانشق, فنزل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فاحتضنه، فجعلت تئن أنينَ الصبي الذي يُسكَّن فسكن، وقال له الرسول (صلى الله عليه سلم): (اختر أَنْ أغرسك في المكان الذي كنت فيه، فتكون كما كنت, وإنْ شئت أَنْ أغرسك في الجنة, فتشرب من أنهارها وعيونها, فيحن نبتك وتثمر فيأكل منك الصالحون, فاختار الآخرة على الدنيا). قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة) وقال: (لا تلوموه، فإنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لا يُفارق شيئاً إلا وجد) أخرجه البخاري (2/ 397) رقم ( 918) وغيره.
ولقد أبدع من قال:

وألقى له الرحمن في الجُمـدِ حُبَّهُ  ****  فكـانت لأهــداءالسـلام لـه يُهـدَا

وفارق جذعاً كان يخطب عنـــده  ****  فأنَّ أنـينَ الأُمِّ إذ تجـــدُ الفـقـدَا
يحن إليه الجذع يا قـومُ هكـذا  ****  أما نحـن أولى أن نحنَّ له وَجْدا
إذا كان جذعٌ لم يُطق بُعدَ سـاعـة  ****  فلـيس وفــاءً أَنْ نطيق له بُعـدا
راجع: "سبل الهدى والرشاد" (9/494- 495).
 وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سرنا مع رسول الله (صلى الله عليه سلم) حتى إذا نزلنا وادياً أفيح فذهب رسول الله (صلى الله عليه سلم) يقضي حاجته، فاتبعته بإداوةٍ من ماء, فنظر فلم يرَ شيئاً يستتر به, فإذا شجرتان بشاطئ الوادي, فانطلق رسولُ الله (صلى الله عليه سلم) إلى إحداهما, فأخذ بغصنٍ من أغصانها, فقال: (انقادي علي بإذن الله), فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى إلى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها, وقال: (انقادي عليَّ بإذن الله - تعالى -). فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يُصانع قائده كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما (يعني جمعهما): فقال: (التئما عليَّ بإذن الله) فالتأمتا, قال جابر: فخرجتُ أحضر مخافة أن يحس رسول الله (صلى الله عليه سلم)بقربي فيبتعد, وقال محمد ابن عباد فيتبعد فجلست أحدث نفسي, فحانت مني لفتةٌ فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه سلم) مُقبلاً, وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كُلُّ واحدة منهما على ساقٍ, فرأيت رسولَ الله (صلى الله عليه سلم) وقف وقفةً, فقال برأسه هكذا يميناً وشمالاً) أخرجه مسلم ( 4/ 2307) (3014) كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وفيه قصة أبي اليسر.

في نزول العذق من الشجرة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ):
عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: بم أعرف أنك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ قال: (أرأيتَ إنْ دعوتُ هذا العذقَ من هذه النخلة، أتشهد أني رسول الله). قال: نعم, فدعا العذقَ, فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط على الأرض, فأقبل إليه, وهو يسجد ويرفع، ويسجد ويرفع، حتى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له: (ارجع) فرجع إلى مكانه, فقال: والله لا أكذبك بشيء تقوله بعد أبداً, أشهد أنك رسول الله وآمن) الحاكم في المستدرك (2/676) رقم (4237).

في إعلام الشجرة بمجيء الجن:
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: (سألت مسروقاً من آذن النبي (صلى الله عليه سلم)بالجن ليلة استمعوا القرآن فقال: حدَّثني أبوك, قال: آذنته بهم شجرةٌ) صحيح مسلم (1/333) رقم (450) كتاب الصلاة،باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن.
وروى الإمام أحمد عن يعلى بن مرة - رضي الله عنه - قال: بينما نحن نسير مع رسول الله (صلى الله عليه سلم)فنزلنا منزلاً, فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءت شجرةٌ استأذنت تشقُّ الأرض حتى غشيته, ثم رجعت إلى مكانها, فلما استيقظ ذكرت له ذلك فقال: (هي شجرة استأذنت ربها – عز وجل - أن تُسلِّم عليَّ فأذن لها) أخرجه أحمد في مسنده (4/ 173).


في تسبيح الحصى في كفه ( صلى الله عليه وسلم ):
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: (كان بين يدي رسول الله - (صلى الله عليه سلم)سبع حصيات، أو قال: تسعُ حصيات, فأخذهن في كفه, فسبَّحن حتى سمعت لهن حنياً كحنين النحل, ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن، حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل, ثم وضعهن فخرسن, ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبَّحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل, ثم وضعهن فخرسن, ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبَّحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل, ثم وضعهن فخرسن). وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات وفي بعضهم ضعف، قلت وقد تقدم في الخلافة له طريق عن أبي ذر أيضا وقال الزهري فيها يعني الخلافة رواه الطبراني في الأوسط وزاد في إحدى طريقيه يسمع تسبيحهن في الحلقة في كل واحدة وقال ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا. مجمع الزوائد (8/299).

في تكثيره ( صلى الله عليه وسلم) الذهب الذي دفعه لسلمان:
روى الإمام أحمد وابن سعد والحاكم من طرق عن سلمان -رضي الله عنه- أَنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أتاه رجلٌ من بعض المعادن بمثل بيضة الدجاجة من ذهب, فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (خذ هذه يا سلمان, فأد بها ما عليك) فقلت: يا رسول الله, وأين تقع هذه مما علي؟ قال: (فإنَّ اللهَ سيُؤدِّي بها عنك)، فوا الذي نفسي بيده, لو زنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وبقي عندي مثل ما أعطيتهم) الحديث. سنن البيهقي الكبرى (10/322).

في تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه (صلى الله عليه وسلم ):
عن أبي أسيد الساعدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه سلم) للعباس بن عبد المطلب : (يا أبا الفضل, لا ترم منزلك غداً أنت وبنوك حتى آتيكم فإن لي فيكم حاجة) فانتظروه, حتى جاء بعد ما أضحى, فدخل عليهم, فقال: (السلام عليكم) فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته, ثم قال لهم: (تقاربوا يزحف  بعضكم إلى بعض) حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال : (يا رب, هذا عمي وصنو أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه) قال : فأَمَّنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين) مجمع الزوائد(9/270).

في تحرك الجبل فرحاً به ( صلى الله عليه و سلم ) :
عن أنس رضي الله عنه قال : صعد النبيُّ -(صلى الله عليه سلم) أُحُداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فضربه النبيُّ (صلى الله عليه سلم) برجله وقال: (أثبت أحد، فإنما عليك نبيٌّ وصديقٌ وشهيدان) البخاري (7/26) رقم (3675)كتاب المناقب، باب قول النبي (صلى الله عليه سلم) لو كنت متخذاً خليلاً.

الرسول يأمر بأن يقرأ القرآن على الجن:
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} قال: ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نينوى وأن النبي (صلى الله عليه سلم) قال: (إني أمرت أن أقرأ على الجن فأيكم يتبعني) فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ثم استتبعهم الثالثة فقال رجل: يا رسول الله! إن ذاك لذو ندبة فأتبعه ابن مسعود - رضي الله عنه - أخو هذيل، قال: فدخل النبي (صلى الله عليه سلم) شعباً يقال له شعب الحجون  وخط عليه ابن مسعود -رضي الله عنه- خطاً ليثبته بذلك قال: فجعلت أهال وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها وسمعت لغطا شديدا خفت على نبي الله (صلى الله عليه سلم) ثم أصحهما القرآن، فلما رجع رسول الله (صلى الله عليه سلم) قلت: يا رسول الله! ما اللغط الذي سمعت قال صلى الله عليه وآله وسلم: (اختصموا في قتيل فقضي بينهم بالحق) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.راجع"تفسير ابن كثير" (4/179).
وعن معن بن عبد الرحمن قال سمعت أبي قال:(سألت مسروقا: من آذن النبي (صلى الله عليه سلم) بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ - أي من أخبره أنه يوجد هنا جن يستمعون القرآن- فقال حدثني أبوك- يعني عبد الله-: أنه آذنت بهم شجرةٌ) البخاري– الفتح(7/208) رقم (3859) كتاب مناقب الأنصار، باب إسلام سعد بن أبي وقاص.

في تنكيس الأصنام حين أشار إليها ( صلى الله عليه وسلم ):
عن ابن مسعود قال: دخل النبي (صلى الله عليه سلم) مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصباً فجعل يطعنها بعود بيده ويقول: {جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (81) سورة الإسراء. {قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}(49) سورة سبأ.صحيح مسلم (3/1408) رقم (1781) كتاب الجهاد والسير، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة.

في تحرك المنبر حين أمعن في وعظ الناس عليه:
عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو على المنبر يقول: (يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده ثم يقول: أنا الجبار، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون؟)، ويعيد رسول الله (صلى الله عليه سلم) عن يمينه وعن يساره حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني أقول: أساقطٌ هو برسول الله (صلى الله عليه سلم)). سنن ابن ماجه (1/71) رقم (198)،كتاب المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية.

في سلام الأحجار عليه ( صلى الله عليه وسلم ):
عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه سلم): (إني لأعرفُ حجراً كان يُسلِّم عليَّ قبل أن أبُعث، إني لأعرفه الآن) مسلم ( 4/ 1782)رقم(2277)،كتاب الفضائل،باب فضل نسب النبي وتسليم الحجر عليه قبل النبوة .
وعن علي رضي الله عنه قال : (كنا مع رسول الله (صلى الله عليه سلم)بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله) مستدرك الحاكم (2/677) رقم(2438) وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

في تعبيره ( صلى الله عليه وسلم ) على حُبه للجمادات:
عن أبي حميد -رضي الله عنه- أقبلنا مع رسول الله (صلى الله عليه سلم) من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال: (هذه طابة وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه) البخاري، الفتح،(7/731) رقم(4422) كتاب المغازي، باب نزول النبي الحجر.
والحمد لله رب العالمين.

الرسول يعلمنا الأخلاق

أخلاقه  صلى الله عليه وسلم  مع بقية المخلوقات من غير الإنس
مع الحيوانات والرفق بها


لقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم)  على أكمل خُلقٍ قال الله: (إنك لعلى خلقٍ عظيم) القلم: 4 أي أدب رفيع جَم، وقال ( عليه الصلاة والسلام ): (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)سنن البيهقي الكبرى (10/191)، ومجمع الزوائد (9/15). فهو صاحب أخلاق عالية، يتعامل بها مع الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والحيوانات والجمادات.
فقد قال (عليه الصلاة والسلام ) في حق الحيوانات: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) وقال: (فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) وقال: (وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) وقال: (وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) الترمذي (4/23) رقم (1409).
كل هذه الأحاديث وغيرها تدل على حسن خلقه (عليه السلام) مع الحيوانات والرفق بها، ورحمتها فهو رحمة للعالمين، ليس مخصوصاً بالإنس فقط، بل هو مع ذلك رحمة للجن والحيوانات وجميع المخلوقات، وفي هذا المطلب نذكر خلقه ( عليه الصلاة والسلام ) مع الحيوانات، وكيف كان يتعامل معها برفق ورحمة.
فعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (كان رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يُصغي الإناء للهرة فتشربُ، ثم يتوضأ بفضلها). رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نُعيم في الحلية، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود رقم (69).
وعن حماد بن سلمة، قال: (سمعت شيخاً من قيسٍ يحدِّث عن أبيه قال: (جاءنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وعندنا بكرةٌ صعبةٌ لا نقدر عليها، فدنا منها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فمسح ضِرعها فاحتفل فحلب).مجمع الزوائد (3/25)، والمسند (3/73).
عن عبد الله بن جعفر قال أردفني رسول الله (صلى الله عليه وسلم)خلفه ذا يوم فأسر إليَّ حديثا لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)لحاجته هدفاً أو حائش نخل، قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جملٌ، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) حن وذرفت عيناه، فأتاه النبيُ (صلى الله عليه وسلم) فمسح ذفراه، فسكت، فقال: (من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل؟) فجاء فتىً من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله! فقال: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه).سنن أبي داود رقم كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم (3/23) رقم (2549)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: (غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتلاحقَ بي وتحتي ناضح أعْيا ولا يكاد يَسيرُ حتى ذهب الناس فجعلتُ أرْقيه ويهُّمني شأنه، فإذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في آخر الناس فقال لي: (ما لبعيرك؟) قلت: عليل فمسح في نَحْره من الماء ثم ضربه ودعا له، فوثب ثم قال: (ارْكََبْ باسم الله) قلت: إنِّي أرضى أن يساق معنا، قال (اركب) فركبت، فوالذي نفسي بيده، لقد رأيْتني وإني لأكفه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إرادة ألا يسْبقه فما رَكبْتُ دابَّة قبله، ولا بَعْده أوسع ولا أوطأ منه، وما زال بين الإبل يسير قدَّامها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كيف ترى بعيرك؟) قلت: بخير، قد أصابته بركتك)البخاري ، الفتح، (4/320) رقم (2967) كتاب الجهاد والسير، باب استئذان الرجل الإمام.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (نهى رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) أن تُصبَّرَ البهائم).صحيح مسلم (3/1549) رقم (1956) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان،باب النهي عن صبر البهائم.
وعن ابن عباس قال: (أن النبي (صلى الله عليه وسلم)قال : (لا تتخذوا شيئاً فيه الروحُ غرضاً) صحيح مسلم (3/1549) رقم (1957) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوانات، باب النهي عن صبر البهائم.
وعن جابرٍ - رضي الله عنه – قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يُقتل شيء من الدواب صبراً)صحيح مسلم (3/1550) رقم (1659) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوانات، باب النهي عن صبر البهائم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أتى رجلاً من الأنصار فأخذ الشفرة ليذبح لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال له رسول الله :(إياك والحلوب1 ) صحيح ابن ماجه للألباني رقم (2593) كتاب الذبائح، باب النهي عن ذبح ذوات الدر.
وعن جابر - رضي الله عنه – قال: (مر عليه (صلى الله عليه وسلم) بحمار قد وسم في وجهه فقال أما بلغكم أني قد لعنت من وسم بهيمة في وجهها وضربها في وجهها ونهى عن ذلك) سنن أبي داود كتاب الجهاد، باب النهي عن الوسم في الوجه والضرب في الوجه (3/26) رقم (2564).
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (نهى عن خِصاءِ الخيل والبهائمِ).مسند أحمد وصححه الشيخ الألباني  في صحيح الجامع (478).
وعن ابن عمر قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الإخصاءِ) رواه ابن عساكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (476) في تخريج الحلال والحرام.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما – أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (نهى عن قتل أربع من الدوابّ: النملة والنحلة والهدهد والصرد)رواه أبو داود كتاب الأدب، باب قتل الذر، وصححه الألباني في كتابه الإرواء رقم (2289).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)قال: (دخلت امرأة النار من جراء (أي من أجلها) هرةٍ لها أو هرٍّ ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها ترمرم (أي تتناول ذلك بشفتيها) من خشاش الأرض، حتى ماتت هزلاً).صحيح مسلم (4/2023) رقم (2619) كتاب البر والصلة والآدب، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوانات.
وعن زيد بن خالد - رضي الله عنه - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا تسبُّوا الديكَ، فإنه يوقظ للصلاةِ) رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في الديك والبهائم. وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (4254).
كان العباس يَسيرُ مع النبي (صلى الله عليه وسلم) على بعير قد وشمه في وجههِ بالنار، فقال: (ما هذا الميسمُ يا عبَّاسُ؟) قال: ميسمٌ كنا نسمه في الجاهلية، فقال: (لا تسموا بالحريق)، يعني في الوجه).المعجم الكبير وصححه الألباني في  السلسلة الصحيحة (305).
وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا تمثلوا بالبهائم)سنن النسائي، كتاب الضحايا، باب النهي عن المجثمة (3/72) رقم (4529)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7451).
وعن سهل بن عمرو - رضي الله عنه - قال: (مرَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ببعير قد لحق ظهرهُ ببطنه فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحةً وكلوها صالحة). سنن أبي داود،كتاب الأدب، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، وصححه الألباني في  صحيح الجامع رقم (104).
روى الطبراني بسند صحيح عن فضالة بن عبيد، قال: غزا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (غزوت تبوك، فجهد الظهرُ جهداً شديداً فشكوا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورآهُم رجالاً لا يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق، والناس يمُّرون فيه فنفخ فيها نفخاً وقال: (اللهم بارك فيها واحمل عليها سبيلك، فإنك تحمل على القويِّ والضعيف والرَّطب واليابس في البر والبحر). فاستمرت فما دخلت المدينة إلا وهي تنازعنا أزمتها)رواه الطبراني في الكبير (11/376) و المجمع (6/196) وفيه يرحون بدل من يزجون.
وعن ابن مسعود، قال: (كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخان لحمرة، فأخذناهما، فجاءت الحمرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهي تقرس يعني تقرب من الأرض وترفرف بجناحها، فقال: (فمن فجع هذه بفرخيها؟) قال: فقلنا: نحن، قال: (ردوهما) فرددناهما إلى موضعهما، فلم ترجع)أخرجه البيهقي في الدلائل (6/33) والحاكم (4/239).
عن نافع بن الحارث بن كلدة - رضي الله عنه - قال: (كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر وكنَّا زُهاء أربعمائة فنزلنا منزلاً في موضع ليس فيه ماءُ فشق على أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) فجاءت شاةُ لها قرْنان فقامت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فحلبها، فشرب حتى روي وسقى أصحابه حتى رَوُوا ثم قال: (يا نافعُ احفظها الليلة، وما أراك تملكها). قال: فأخذتها فوتدت لها في الأرض، ثم أخذت رباطاً فربطتها فاستوثقت منها، ثم قمتُ بعض الليل فلم أر الشاة، ورأيت الحبل مطروحاً فأخبرت النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: (ذهب بها الذي جاء بها).أخرجه الحاكم في المستدرك (4/211)، والبيهقي في الدلائل (6/137)، وابن كثير في البداية (6/119).
عن ابن عباس - رضي الله عنه – قال: (مَرَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برجل وضع رجله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: (أفلا قتل هذه أتريد أن تميتها ميتتين). البيهقي في السنن الكبرى (9/280).
عن أبي هريرة أن النبي قال: (بينا رجلٌ بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملاخفه ماءً فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يارسول الله وإن لنا في البهائم لأجراً فقال: (في كل ذات كبد رطبة أجر).البخاري، الفتح، (5/136) رقم (2466) كتاب المظالم والغضب، الآبار على الطرق إذا لم يتأذبها.
وفي مسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)صحيح مسلم (3/1189) رقم (1553) كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع.
وفي مسلم وغيره قوله (صلى الله عليه وسلم): (إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض). صحيح مسلم (3/1525) رقم (1926) كتاب الإمارة، باب مراعاة مصلحة الدواب في السير والنهي عن التعريس.
وعن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).صحيح مسلم (3/1548) رقم (1955) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان وغيرها، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة.
هذا ما تيسر ذكره من هذا المبحث، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
----------------------------------
1 - الحلوب : ذات اللبن.

الرسول يعلمنا الأخلاق

أخلاقه صلى الله عليه وسلم مع الملائكة 


فإن الملائكة عالم غير عالم الإنس وعالم الجن، وهو عالم كريم، كله طهر وصفاء ونقاء، وهم كرام أتقياء، يعبدون الله حق العبادة، ويقومون بتنفيذ ما يأمرهم ، ولا يعصون الله أبداً.
والملك أصله : ألكَ، والمألكة، والمألكُ : الرسالة : ومنه اشتق الملائك؛ لأنهم رسل الله .
وقيل : اشتق من ( لَ أ ك) والملأكة : الرسالة، وألكني إلى فلان، أي بلغه عني، والملأك: الملك؛ لأنه يبلغ عن الله تعالى:
وقال بعض المحققين: ((الملك من الملك. قال: والمتولي من الملائكة شيئاً من السياسات يقال له مَلك , ومن البشر مَلكِ )) بصائر ذوي التمييز , للفيروز آبادي ( 4/ 524).
والإيمان بالملائكة أصل من أصول الإيمان، لا يصح إيمان عبد ما لم يؤمن بهم، قال تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } البقرة: 285.
وقال تعالى : {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب. ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين...} البقرة : 177.
فجعل الله الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة. قال تعالى {.... ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً} النساء: 136.
وقد أنكر بعضُ الفلاسفة وأهل البدع هذا العالم الغيبي المخلوق. فمذهبهم في ذلك (( أنه ليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول. وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان )) انظر : شرح العقيدة الطحاوية ( 297)
وقال بعض الزائغين إن الملائكة عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات. كيف هذا ؟ والله سبحانه وتعالى يقول: { الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ...} فاطر آية 1.
إذاً الواجب علينا أن نؤمن بعالم الملائكة ونصدق بوجودهم ونؤمن بأنهم خلق من خلق الله مأمورون مكلفون لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه ونؤمن بأنهم يموتون كما يموت باقي الخلق من الجن والإنس. ونؤمن بأن منهم حملة العرش، ومنهم خزنة جهنم، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم كتبة الأعمال، ومنهم الذين يسوقون السحاب، ونؤمن بأن للملائكة أسماء كجبريل عليه السلام، وإسرافيل، ومالك، ومنكر، و نكير، وبالجملة نؤمن بكل ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عالم الملائكة)). راجع كتاب "الملائكة الأبرار للدكتور عمر الأشقر ". وكتاب "أطيب الكلام في معرفة : الملائكة والجان."
وبعد هذه المقدمة المختصرة عن عالم الملائكة, فإننا لن نتكلم عن هذا العالم من حيث خَلقه، ورؤيته، وأعماله وأسمائه، ، وموته، وحياته، وعبادته، وإنما سنتكلم عن خُلُق النبي (صلى الله عليه وسلم) مع هذا العالم( الملائكة) فنبرز جوانب مِن أخلاقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة ولا يخفى على أحد ما كان عليه الحبيب صلوات الله وسلامه عليه من أخلاق عالية ورفيعة. فقد قال تعالى في هذا : { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم 4.
ومعنى الآية الشريفة، وإنك لعلى أدب رفيع جم، وخلق سني فاضل ، فقد اجتمعت فيك مناقب وكمالات وسمات حسنة من الحلم والوقار والسكينة والحياء وكثرة العبادة، والصبر على المكاره، والزهد والرحمة، وحسن العشرة وطيب الخلال.
فهذه الآية الكريمة تدل على المستوى الرفيع الذي حازه عليه السلام في الأخلاق، فما من شيء يتعلق بجانب الأخلاق إلا وكان النبي هو القدوة فيه، كيف لا، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) مسند أحمد،وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ص(45). فهو القدوة الوحيدة الذي يجب الإقتداء به واتباع سنته، وإن جانب الأخلاق هو من أفضل الأعمال التي تقرب العبد المسلم من الله ورسوله يوم القيامة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( إن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ). لهذه المكانة العالية لصاحب الخلق الحسن، ولما كان عليه أفضل الصلاة والسلام من خلق عظيم، رأينا أن نكتب و بعبارة أخرى أن نبرز هذا الخلق العظيم مع الملائكة، لما له من أهمية كبيرة، ولكي يقتدي به الناس فيحسنون التعامل مع الملائكة في الأماكن التي يتواجدون فيها كالمساجد، وعند قراءة القرآن، والصلاة وغيرها من المواطن، فلا يؤذي الملائكة بالرائحة الكريهة، أو بالصور في البيوت أو المزامير أو إدخال الكلاب إلى البيوت، أو رفع الصوت وغير ذلك من الأعمال التي تتأذى منها الملائكة. فهو جانب مهم وخطير غفل عنه أناس كثيرون، فلا يراعون هذا العالم من تجنب أذيتهم. فإليك أخي القارئ بعض هذه الأخلاق.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( أتاني جبريل فقال لي أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البت كلب. فَمُر برأس التمثال الذي في البيت يُقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومُرْ بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان تُوطئان، وُمرْ بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...).سنن الترمذي رقم(2806)،كتاب الأدب، باب ما جاء أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة. وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم ( 3504)(2/783).
روى الشيخان من طريق أبي عثمان النهدي قال:( نبئت أن جبريل أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) وعند ه أم سلمة فجعل يتحدث، ثم قام، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( من هذا ؟ ) قالت : هذا دحية الكلبي ، قالت : ماحسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي (صلى الله عليه وسلم)يخبر خبر جبريل قلت لأبي عثمان : ممن سمعت هذا ؟ قال : من أسامة بن زيد. ) البخاري، الفتح، (8/619) رقم(4980) كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال :( كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يوماً بارزاً للناس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان ؟ قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وبكتابه ورسله وتؤمن بالبعث، قال : ما الإسلام ؟ قال : ( أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصوم رمضان، قال : ما الإحسان؟ قال ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) قال: متى الساعة ؟ قال ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها؟ إذا ولدت المرأة ربتها وإذا تطاول رعاء الإبل إليهم ( في البينان ) في خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم أدبر فقال : ردُّوه فلم يروا شيئاً فقال : ( هذا جبر يل جاء يعلم الناس دينهم ). البخاري، الفتح،(8/373) رقم(4777)،كتاب تفسير القرآن، باب قوله إن الله عنده علم الساعة.
في هذا الحديث العظيم يتبين لنا الخلق الرفيع والسامي الذي كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع الملائكة الكرام، حيث حادث جبريل عليه السلام بالإجابة عن الأسئلة وهو يعلم (عليه الصلاة والسلام) أن جبريل أعرف منه بهذه الأسئلة، فلم يخبره بأنه ( أي جبريل) أعلم منه وهو الذي علمه هذا فكيف يسأله وهو أعلم بالإجابة, ولكنه عرف أن جبريل يريد أن يعلم الصحابة رضوان الله عليهم دينهم كما جاء في آخر الحديث.
ثم تتجلى أخلاقه (عليه الصلاة والسلام) في الجلوس مع جبريل حيث أتى إليه فوضع ركبتيه على ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه.فهذا الخلق السامي والرفيع منه عليه الصلاة والسلام مع جميع المخلوقات ومنهم الملائكة عليهم السلام، يبين الخلق العظيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه قصة ملك الجبال عندما أتى إلى رسول الله ليأمره أن يطبق عليهم الأخشبين .
فقد روى البخاري تفصيل القصة. بسنده – عن عروة بن الزبير، أن عائشة -رضي الله عنها- حدثته أنها قالت للنبي (صلى الله عليه وسلم)هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال : لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال فلم يجبني إلى ما أرت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي, فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب- وهو المسمى بقرن المنازل – فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني , فنظرت فإذا فيها جبريل, فناداني, فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك. وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال, فسلم علي, ثم قال : يا محمد, ذلك . مما شئت , إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين, أي لفعلت والأخشبان: هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله وهو قعيقان- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل أرجو أن يخرج الله عزوجل من أصلابهم من يعبد الله عزوجل وحده لا يشرك به شيئاً) البخاري ( 6/ 360) .رقم (3231)كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة.
وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول- صلى الله عليه وسلم- تتجلى شخصيته الفذة, وما كان عليه من الخلق العظيم الذي لا يدرك غوره . "الرحيق المختوم" ( 114 – 115) .
ومن أخلاقه عليه الصلاة والسلام .
أنه (صلى الله عليه وسلم) أُتى بقدر فيها بقول فوجد لها ريح فقربها إلى بعض أصحابه وقال له كُلْ فإني أناجي من لا تناجي. حديث صحيح.
ومن أخلاقه عليه السلام دعاؤه :( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة , أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , اهدني لما اخُتلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) صحيح مسلم،(1/534)رقم(770)،كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- :( أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم): كان جالساً كاشفاً فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله , ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثوبه , فلما قاموا , قالت : يا رسول لله استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما , وأنت على حالك , فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك فقال : ( يا عائشة ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ) صحيح مسلم،(4/1866)رقم(2401)،كتاب فضائل الصحابة،باب فضائل عثمان بن عفان.
وقال (عليه الصلاة والسلام) :( من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم) سنن النسائي،كتاب المساجد، باب من يمنع من المساجد.وصححه الألباني في صحيح النسائي ص(683).
وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ). صحيح مسلم،(3/1665)رقم(2106) كتاب اللباس ولزينة ، باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه.
و عن زيد بن خالد, عن أبي طلحة مرفوعا قال : ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل ). صحيح مسلم، (3/1666) رقم (2106) كتاب اللباس ولزينة ، باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه.
وفي صحيح البخاري , عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن جبريل عليه السلام قال :( إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة ). البخاري، الفتح،(6/359) رقم(3227)،كتاب بدء الوحي، باب ذكر الملائكة.

الرسول يعلمنا الأخلاق

أخلاقه صلى الله عليه وسلم مع الجن


إن الجن عالم غير عالم الإنسان وعالم الملائكة، بينهم وبين الجن قدر مشترك من حيث الاتصاف بصفة العقل والإدراك، ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر، ويُخالفون الإنسان في أمور أهمها أن أصل الجان مخالفٌ لأصل الإنسان.
وإننا في هذا المطلب لن نتكلم عن أصل الجن وعالمهم وأكلهم وشربهم، بل سنقتصر على خلق المصطفى ( عليه الصلاة والسلام ) معهم، وكيف كانت معاملته لهم.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها، وقال له: (ولا تأتيني بعظم ولا روثة). ولما سأل أبو هريرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد ذلك عن سرِّ نهيه عن العظم والروثة، قال: (هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين – ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم: أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعماً) البخاري، الفتح( 7/208) رقم (3860). كتاب المناقب ،باب ذكر الجن.
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا تستنجوا بالروث، ولا بالعظام، فإنَّه زاد إخوانكم من الجن). صحيح سنن الترمذي 1/8 رقم 17.،كتاب الطهارة عن رسول الله، باب ما كراهيه ما يستنجى به، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم(17)(1/8)
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)قال: (أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن). قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم). فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم).صحيح مسلم (1/332). رقم (450).كتاب الصلاة ، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما منكم من أحد إلا وقد وُكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير).صحيح مسلم (4/2168) رقم( 2814)،كتاب صفة القيامة والنار والجنة، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس.
وعن أبي الدرداء قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فسمعناه يقول: (أعوذ بالله منك). ثم قال: (ألعنك بلعنة الله ثلاثاً)، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله! لقد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً، لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، فقال: إن عدوَّ الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة). صحيح مسلم (1/385) رقم (542).كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز لعن الشيطان أثناء الصلاة.

و عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم)على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا فقال: (لقد قرأتها على الجن ، فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا: ولا بشيء من نعمتك ربنا نكذب، فلك الحمد) سنن الترمذي ، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله، باب من سورة الرحمن،وحسنه الألباني في صحيح الترمذي(2624).
وفي صحيح البخاري: أن أبا الدرداء سأل علقمة، وكان من أهل الكوفة، فقال: (أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم)؟) قال المغيرة: (الذي أجاره الله على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم)يعني عماراً). البخاري (6/389) رقم (3287). كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده.
وعن حذيفة قال: (كنا إذا حضرنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً، فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فأخذ بيده. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إنَّ الشيطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحلَّ بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحلَّ به، فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها).صحيح مسلم: (3/1597) رقم (2017).كتاب الأشربة ، باب آداب الأشربة والأطعمة وأحكامهما.
ففي الحديث: (أقيموا صفوفكم، لا تتخللكم الشياطين كأنها أولاد الحذف). قيل يا رسول الله: وما أولاد الحذف؟ قال: جُرد بأرض اليمن).صححه الألباني في كتابه "صحيح الجامع" (1/384).
وفي الحديث الآخر: (أقيموا صفوفكم، وتراصوا، فوالذي نفسي بيده، إني لأرى الشيطان بين صفوفكم كأنها غنم عُفْر). رواه أبو داود الطيالسي بإسناد صحيح، وصححه الألباني في "صحيح الجامع " (1/384).
وعن أبي هريرة قال: (ولاني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زكاة رمضان أن أحتفظ بها، فأتاني آتٍ، فجعل يَحثُو الطعام، فأخذته، فقال: دعني فأني لا أعود..). فذكر الحديث وقال: فقال في الثالثة: (أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، إذا أويتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها إلى آخرها، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح) فخلَّى سبيله، فأصبح فأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم – بقوله، فقال: (صدقك، وهو كذوب). البخاري، الفتح.(8/672) رقم(5010) ، كتاب فضائل القرآن ، باب فضائل سورة البقرة.
وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (... إن بالمدينة جناً أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئاً، فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان). صحيح مسلم (4/1756) (2236) كتاب السلام، باب قتل الحيات وغيرها.
عن أبي لُبابة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لا تقتلوا الجنَّان إلاّ كل أبتر ذي طفيتين فإنه يُسقط الولد، ويُذهب البصر فاقتلوه). البخاري (6/404) رقم(3311). كتاب بدء الخلق،باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال.
قال النووي - رحمه الله -: قال القاضي روى ابن حبيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه يقول: (أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود أن لا تؤذونا ولا تظهرن لنا). ذكره النووي. راجع "شرح صحيح مسلم" (14/230) كتاب قتل الحيات.
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه سمع الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء..)صحيح مسلم (3/1598) رقم (2018).كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما.
راجع/ "أطيب الكلام في معرفة الملائكة والجان". تأليف/ بدر بن عبد الكريم الناصر.
راجع/ "عالم الجن والشياطين"/ الدكتور/ عمر الأشقر.